كلنا يحب أبناءه , وكثير منا يبالغ في التعلق بهم , تعلقا قد لا يستطيع تقويمه أو تأطيره في إطار النفع والصواب
ويبتعد به عن الضر أو الخطأ ..
كثير من الناس يمحورون حياتهم تبعا لحياة أبنائهم , ويهيئون ظروفهم تبعا لظروف أبنائهم , بل كثير
من الناس يعتبر سعيه وجهده كله إنما هو لأبنائه , وكثيرا ما نسمع من الآباء تلك المقولة
( ما أبذل في الحياة إلا لأبنائي )
لأول وهلة قد تبدو تلك المقولة لا باس بها في حياتنا , ولأول وهلة أيضا قد يبدو ذاك السلوك غير مستغرب ,
إذ تربينا عليه , وعهدنا الحياة في ظله , لكننا لو أمعنا النظر في الموقف لاكتشفنا ما لن نحمده كثيرا !!
لقد رزق الله عباده بالأبناء رحمة منه ونعمة وفضلا ,
وعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأبناء لنا إنما هم نفع لأمتهم , وبر بوالديهم ,
وقرب من ربهم , وسعادة في بيوت المسلمين بنقائهم وصفائهم وضعفهم والحب الذي في قلوبهم ..
لكن بيوتنا صارت تجاه أبنائنا شيئا آخر غير تلك الأهداف والمعاني , فصار أمل الوالدين إرضاء الأبناء
, والإسباغ عليهم من كل ما يطلبون , وإغراقهم في كل ما يحبون , بل صار السعي كله لأجل الأبناء ,
والعمل كله لصالحهم , فالسعادة ما أسعدهم , والشقاء ما أحزنهم وآلمهم !!
وحتى صارت بسمة الولد هي المرتجى , فكل ما يجلب ابتسامته مطلوب , مهما كان التعب فيه والشقاء في جلبه
, وصارت دمعته مفزعة للوالدين , وفي سبيل منعها يهون كل غال !!
إننا لا نعتب على الآباء حب أبنائهم فهو أمر فطري إنساني رائع , ولا ننعي عليهم البذل والعطاء لهم فهو فضل
وعطاء جميل , إنما نعتب على أولئك الزائدين في حبهم لأبنائهم المبالغين في الاهتمام بهم فيخرج اهتمامهم
عن معنى التربية الصحيحة الجادة , فيتربى الأبناء مدللين فاقدي شخصياتهم الجادة , متصفين بالنعومة البالغة
والترفه الشديد وعدم القدرة على السيطرة على النفس ومطالبها ورغباتها , كما ننعي على تلك البيوت
التي يحول فيها الأبناء أحوال آبائهم من الشجاعة إلى الجبن , حبا لهم , ومن الكرم في عطاء الناس إلى البخل ,
إغداقا عليهم , ومن السعادة إلى الحزن , كمدا على مرضهم أو غيابهم !! , وفي الحديث :
" الولد مجبنة مبخلة محزنة " (1) فهو مجبنة عن الجهاد في سبيل الله ومبخلة
عن الصدقة ومحزنة كلما أصابه مكروه .
إن علينا أن نتعامل مع بسمات ابنائنا ودمعاتهم تعاملا متوازنا جادا ,
فقد يكون منع العطاء عن الأبناء في أحيان كثيرة دعما لنفوسهم وتربية لقلوبهم على التصبر
والتعفف والتخشن والمروءة , وقد يكون الحزم معهم في أحيان بانيا لشخصياتهم القوية وموضحا
لمعاني الخطأ والصواب والحق والباطل .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم اهدي أولادنا وأولاد المسلمين إلى ماتحب وترضه
اللهم اهديهم إلى طريق الخير وأعنهم عاى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.يارب العالمين
أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأمين