كثرة المساس تفقد الشعور بالإحساس

" كثرة المساس تفقد الشعور بالإحساس "

بقلم / أحمد بوادي

يبقى العود ما بقي اللحـــاء … ويبـقى المـرء ما بقي الحياء

من يـهن يسهل الهوان عليه…… ما لجرح بميت إيـــــلام



إن مخالطة الحق للباطل تضعفه وتذيبه وتصهره

وتقلل من شأنه وتضعف من قدرته

لأن الحق بنقائه وصفائه وقوة حجته يرفض الشوائب

ولا يقبل أن يكون محل تهمة أو نقص أوازدراء

ولا يرضى المزايدة عليه كما لا يقبل الحياد

{فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }

فمن ابتعد عن الحق أو حاد عنه وقع في الضلال

فإما أن يطرد الباطل ويجهز عليه

وإما أن يغادره إن وجد في لحظة ما أنه غير قادر عليه

لأنه يعلم أن في الفرار من مخالطته السلامة والنجاة

والبقاء معه ومداراته ومحاباته ، تعني زعزعة ثوابته

ومواطأته على جرائمه وتحمل أوزاره .



فإن استهان صاحب الحق بالحق الذي معه فخالطه بالباطل

أصبح ضعيفا وسقط حقه في الباطل الذي خالطه وهان على الآخرين وأصبح مرتعا

للباطل يتلاعب به ، يختلق له المعاذير ، ويبرر له الأفاعيل

ويزين له الأقاويل . فقد تمكن الباطل منه وأصبح العوبة بيده



فقد هان على نفسه فكيف للباطل أن لا يستهين وأن لا يتلاعب به

ولكثرة مساسه ومخالطته للباطل افقده الإحساس والشعور بخطورته

فالحق ثابت ولا يجوز زعزعته والنيل من ارادته وقوة حجته

بحجج واهية ودلائل ظنية وبراهين ضعيفة ،

واختلاق المعاذير والتراقيع تدليسا وتلبيسا على العباد

ليضعف أمام الباطل المزعزع والممرغ بالحجج الكاذبة

والبراهين الساقطة فمهما كان الباطل قويا فقوته زائلة



تماما كالعضلات المنفوخة حينما تستمد قوتها

من العقاقير والمنشطات التى تسبب لها العقم والسرطان

والفشل الكلوى بسبب هذه المنشطات



والحق لا بد وأن يبقى منتصرا أمام الباطل وإن تصور البعض

ضعفه في لحظة ما فنهايته الإنتصار ويسقط صاحبه لما تخلى عنه وأذابه



{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }

{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }



ماذا يعني أن يشجع ما يسمونهم علماء . السياحة في تركيا

كرد للمعروف لاسطول الحرية ، مع تحذيرهم من الذهاب للجهاد

في افغانستان والعراق



ماذا يعني أن نفتتح مراكز لتحفيظ وتدريس القرآن بوجود متبرجات

مع الإشادة بهن والثناء عليهن وعلى اعمالهن ، والسكوت على تبرجهن

فهل هذه هي رسالة القرآن

وعذر هؤلاء الدعاة بالسكوت على المنكر

قولهم عن اسيادهم أنهم استقبلونا استقبال الملوك



أليس هذا فقدان للشعور والإحساس

ذكرني هذا بالفرق بين أهل الباطل وأهل الحق



قيل للحسن البصري يوما : أين كنت في صولة الباطل ؟ قال : " كنت أجتثه من جذوره "



أما صاحبنا " الحسان " فحاله مع الباطل أنه يتصور معه ويثني على المتبرجات اللواتي

حضرن افتتاح مراكز القرآن ملقيا لهن كلمة الافتتاح مشيدا بجهودهن غير منكرا عليهن



ماذا يعني التحذير من قنوات الفساد والرذيلة

والعمل على الخروج من خلالها



مزاحمة أهل الباطل لا تكون بمخالطته كما بينا

وإنما تكون بالعمل على القضاء عليه وتغييره

لا أن نكون فيه ضعفاء ، والباطل هو القوي

فلا بد وأن يسحق باطله الحق الذي معنا

لأننا اضعفناه وتنازلنا عن قيمه وثوابته

فالحق لا يقبل المتاجرة فيه ولا المزايده عليه



ماذا يعني أن نحذر من الدخول على الأمراء والسلاطين

ومن ثم نخالطهم ونثني عليهم من دون انكار على باطلهم



قال سفيان الثوري رحمه الله :

" ما أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم لي فيميل قلبي إليهم "



ذكرني هذا بأحد ما يسميه البعض بأنه عالم ويطلق عليه بعضهم

العالم ( البحر ) أردت مناصحته يوما فذهبت إليه فاستقبلني

وبينت له امتعاضي من بعض ما وقع به . كزيارته لأحد

الرؤساء وكيف لمثله أن يفعل ذلك

قال لي بالحرف الواحد : وما الذي فعلته غير إني دخلت فأكلت وخرجت

هذا هو حال علماءنا ( البحور والشواطيء والأنهر )

كانوا يعلموننا الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة

وعقيدة الولاء والبراء ولا تحك رأسك إلا بالآثار



نسوا أن حبات الأرز وقطع اللحم التي اشبعوا بها بطونهم المتخمة إنما

انتشلت من امعاء وبطون من لا يجدون كسرة خبزة ، ولا حبة أرز



نعم ، هكذا هو جواب علماء عصرنا زعموا ، أكلنا وشربنا وخرجنا ؟؟!!!

فأف لها من عقيدة فاسدة مهترية



هكذا كان جوابه أكلنا وخرجنا ، إنه الهوى وحب الشهوات والركون إلى الدنيا

لا العقيدة السليمة والفهم الصحيح ، ومن ثم يزاودون على اخواننا ؟؟!!!



" أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ"



هل رأيتم كيف الجم الباطل الحق وأخرسه بالمبررات والإعذارات القبيحة

وشل قدرته على الكلام وانتصر على الحق مع هؤلاء مع ما كانوا يعلمونه ويعرفونه لنا



لأن الحق الذي تعلموه وعلموه اخضعوه للباطل وسكت عنه فأصبح أسيرا عنده

فقد فقدوا الشعور لكثرة مساسهم للباطل ففقدوا التمييز

وأصبحوا لا يفرقون بين ما هو حق وما هو باطل



فالباطل ثعلب ماكر وضيع ، لا يقدر أن يعيش مع الحق

وسرعان ما ينقض عليه ، ونحن لا نطالب أهل الحق بالعزلة أو الهروب والفرار

من منازلة أهل الباطل ، لكننا نريد من الحق الذي معهم عدم استسلامه وخضوعه وخنوعه

أمام الباطل ، وإن رأى في فترة ما أنه في حالة ضعف فيمكنكه الإنزواء والإختفاء قليلا عن الأضواء

ليجهز نفسه ويقوي من شوكته ، ليعاود مناجزة خصمه للقضاء عليه

لأن الباطل حتما سيلاحقه ، ولن يعرف قدر الحق وأهله إلا بالباطل وأصحابه



وانظر لقوة الحق واخلاص أهله



طلب الظاهر بيبرس فتوى بجمع الأموال من أجل الجهاد وشراء

السلاح ضد التتار من عام ( 658 ) فلم يفته النووي رحمه الله قال النووي رحمه الله :

لا أفتيك، قال الظاهر بيبرس : نريد أن نشتري السلاح ولا تفتيني ،

الأمة والدين معرضان للضياع ؟!! .



قال النووي : لأنك جئتنا عبدا مملوكا لا تملك شيئا ،

وأنا أرى عندك من البساتين والضياع والجواري والغلمان والفضة والذهب ،

فإذا بعت هذا كله واحتجت بعد ذلك أنا أفتيك .



ماذا يعني دعوة البعض لتجويز الإختلاط في الجامعات وأماكن العمل

مع المطالبة بعقيدة سليمة وإيمان صادق ومجتمع صالح



ميادين الباطل وإن خالطها بعض أهل الحق لهي أكثر الأماكن التي تتزحزح

عند ابوابها الثوابت وتذوب في باطلها الحقائق





قال تعالى : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ

وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ

عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }





إن أكثر ما يثبت المرء ويجعله على منهج صحيح وعقيدة سليمة

توطيد وتوطين النفس على الثبات وعدم ميولها مع الأهواء والشهوات

مع عدم تسليم احكام دينه لأفكاره ليحكم عليها بالمصالح

والمفاسد وهي ثوابت لا تتزعزع ليصادم بها أصولا صحيحة

أو يحكم عليها بأدلة ظنية أو مرجوحة معتقدا من نفسه أنه

صاحب العلم والفهم وله القدرة على معرفة الصالح من الفاسد

فتصبح أفكاره مرتعا خصبا للأهواء والشهوات من كثرة ما تملي عليه

الضغوطات ومخالطة أهل الشبه والشهوات والأهواء فيألف الترقيع

وفن الإعذار ويهن فيسهل الهوان عليه فلا ينفع معه نصح أو ارشاد

ولا بد للمرء من مراجعة نفسه وعدم الاغترار بقوله مقابل التحايل

والتلاعب بأحكام شرع الله التفافا حول النصوص تلبيسا وتدليسا

وكتمانا للحق والتقاعس عن نصرته ، ولا بد له من الابتعاد عن مخالطة

أهل الأهواء والشهوات حتى لا يتأثر بهم وليحذر تلبيس الهوى الشيطان له

فقط سقط الكثيرون ولينظر كل امريء لنفسه



{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ