بسم الله الرحمـن الرحيم
رسائل
السنة في النكاح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعــــــــد
من المعلوم أن الله تعالى منَّ على الإنسان فأوجده من العدم ولم يكن شيئاً مذكورا ، قال تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (الانسان:1) ومنَّ عليه سبحانه أن خلق أباه آدم بيديه - وهو أصل الإنسان - ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وفضله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا ، ومنَّ عليه سبحانه أن خلق له من نفسه زوجةً ليسكن إليها ، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21) ومنَّ عليهما أن خلق لهما ذرية تتناسل إلى يوم القيامة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً }(النساء: من الآية1) وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات:13) وكرَّم الله هذه الذرية ، قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الاسراء:70) 0
والغاية الأسمى لهذا الخلق هي : القيام بالواجب الحق لعبادة الله تعالى ، قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:56)
وبما أن النكاح أمر تعبدي ديني وجب أن نراعي فيه الضوابط الشرعية التي أمرنا الله تعالى بها سواء بكتابه العزيز أو بما أوحى إلى نبيه في السنة المطهَّرة 0
من تلك الضوابط : 1- اختيار المرأة الصالحة ذات الدين التي تصلح أن تكون أم لأولادك وأمينة عليهم ، فقد جاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه. وفي رواية أخرى في السلسلة الصحيحة : (فخذ ذات الدين والخلق تربت يداك) وقال أيضاً : (إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة ) أنظر صحيح الجامع 0 وقال أيضاً (00فمن السعادة المرأة الصالحة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك 00) أنظر صحيح الجامع0 وجاء أيضاً عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي )
2- يستحب أن تكون بكرا ، إلا أن تكون له مصلحة في الثيب لما جاء عن جابر قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة قلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس قال تزوجت ؟ قلت نعم . قال أبكر أم ثيب ؟ قلت بل ثيب قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ) متفق عليه 0
3- أن تكون ولوداً ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها قال"لا" ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) أنظر صحيح أبي داود 0
4- كما إنه واجب على الرجل أن يتحرى عن المرأة الصالحة كذلك يجب التحري عن الرجل الصالح من قبل ولي المرأة لينكحها إياه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) حسنه الألباني في غاية المرام 0
5- النظر إلى المخطوبة ، فمن وقع في قلبه خطبة امرأة شُرٍعَ له أن ينظر إليها قبل أن يخطبها لما جاء عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) حسن أنظر صحيح أبي داود - 0
6- الخطبة : وتتم بطلب الزواج من المرأة بالوسيلة المعروفة بين الناس ، فإن حصلت الموافقة فهي مجرد وعد بالزواج ، لا يحل للخاطب بها شيء من المخطوبة حتى يعقد عليها ، ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه ، لقول ابن عمر : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ) صحيح النسائي 0
ولا يحل له خطبة المعتدة من طلاق رجعي ، لأنها زوجة ، كم لا يجوز التصريح بالخطبة المعتدة - أي ما زالت في عدتها - من طلاق بائن أو وفاة زوج ، ولا بأس بالتعريض 0
7- عقد النكاح : يجب أن يتوفر فيه ركنان إثنان وهما : الإيجاب والقبول - ومعناه رضا الطرفين ، كقول الأول وهو أحد المتعاقدين لولي المرأة أريد أن أتزوج ابنتك ، فأجابه المتعاقد الثاني وافقت أو قبلت ، أو يقول ولي المرأة للخاطب أريد أن أزوجك ابنتي على مهر معين أو شيء معين متعارف به بين الناس ، فيقول الخاطب قبلت ، يكون بهذا تمَّ الركنان،الإيجاب والقبول،أما إذا فقد أحدهما الآخر لم يصح العقد، ولكن وحتى يصح الإيجاب والقبول ويتم عقد الزواج وجب أن يتوفر فيهما شرطان إثنان :
أ- إذن الولي : لما جاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل 000) صحيح إرواء الغليل0- ولكن وإن كان لا نكاح إلا بولي، فإنه يجب على الولي استئذان من في ولايته من النساء قبل الزواج، ولا يجوز له إجبار المرأة على الزواج إن لم ترض ، فإن عقد عليها وهي غير راضية فلها فسخ العقد لما جاء عن أبي هريرة مرفوعا " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت " متفق عليه0وعن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب - فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم " صحيح أبي داود 0
ب- حضور الشهود : لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) أنظر صحيح الجامع . بهذا يكون العقد صحيحاً 0
الصداق : " أي المهر " وهو واجب وحق للمرأة على الرجل ولا يحل لأحدٍ أياً كان أن يأخذ منه شيئاً إلا عن طيب نفسٍ منها لقوله تعالى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } (النساء:4) 0
ولم تجعل الشريعة حداً معيناً للصداق ، ولكن حثَّت على تخفيف المهور وعدم المغالاة فيها تيسيراً لعمل الزواج ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (خير الصداق أيسره ) أنظر صحيح الجامع ، وجاء عن عمر بن الخطاب أنه قال " ألا لا تغلوا صدق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله عز وجل كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليغلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه " أنظر صحيح النسائي 0
ويجوز تعجيل الصداق كله ، هذا لمن ملكه ، وتأخيره كله لمن لا يملكه - حيث جاز هذا أن يتزوج وإن لم يدفع لزوجه مهراً لعدم تملكه له في الوقت الحالي ولكن يلزم نفسه به ووجب أن يوفي إذا ما توفر عنده ، لقوله صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج " متفق عليه 0 وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن لا يعطيها حقها ، فعن ميمون الكردي عن أبيه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤد إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان وأيما رجل استدان دينا لا يريد أن يؤدي إلى صاحبه حقه خدعه حتى أخذ ماله فمات ولم يؤد دينه لقي الله وهو سارق " صحيح الترغيب 0 -
وجاز تعجيل بعضه وتأجيل بعضه وذلك حسب المتيسر عليه ، ولكن لا يكون هذا ديدن كل من يريد الزواج كما أصبح متعارفاً عندنا اليوم فتجد أصحاب الملايين يعجل بعض المهر ويؤخر بعضه ، فهذا فيه شيء من الظلم لقوله صلى الله عليه وسلم قال " مطل الغني ظلم 000" رواه البخاري ومسلم 0
وهناك عند البعض عادة عند الخطبة وهي إلزام الخطيب شراء بعض المتاع من ثياب وذهب وغير ذلك إلى خطيبته ، وهذا لا شيء عليه من وجه التحريم مادام برضا الطرفين ، وما دام ليس شرطاً محرما ، والله أعلم 0
لنا لقاء اخر باذن الله مع التكمله