ماذا يريد الأموات من دنيا رحلوا عنها، وانخدعوا بها، وعرفوا حقيقتها، وخلفوها وراء ظهورهم بلا رجعة؟
يا واقفين ألم تكونوا تعلمــــوا أن الحمام بكم علينا قــــادم
لو تنزلون بشعبنا لعرفتمــــوا أن المفرط في التـزود نـادم
لا تستعزوا بالحيـــــاة فإنكـــم تبنون والموت المفرق هادم
ساوى الردى ما بيننا في حفرة حيث المخدم واحد والخـادم
فلنقرأ ما ذكره لنا كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن أمنيات الموتى
-1 الجنة :
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا بشر في قبره بالجنة، يتمنى أن يعود إلى أهله ليبشرهم بنجاته من النار وفوزه بالجنة، إذ روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأى المؤمن ما فسح له في قبره، فيقول: دعوني أبشر أهلي) - وفي رواية -(فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن".
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس) 26-27
2- الشهادة:
روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد؛ يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة".
3- الصلاة :
يتمنى الميت المقصر لو تعاد له الحياة، ليصلي ولو ركعتين اثنتين فقط، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال: "ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم"، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: "ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون، يزيدها هذا في عمله، أحب إليه من بقية دنياكم".
4- الصدقة: َ
قال تعالى:"أَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ."المنافقون 10-11
5- العمل الصالح :
قال جل جلاله: "حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ".المؤمنون 99-100
وقال تعالى:" أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ{60} وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "الزمر56-61
فمن المتفق عليه : أن الميت ينتفع بما كان سبباً فيه من أعمال البر في حياته ، لما رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ] وروى ابن ماجه عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال: [ إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علماً علمه ونشره ، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه . أو مسجداً بناه ، أو بيتاً بناه لابن السبيل أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته] .
كان يزيد الرقاشي يقول من كان الموت موعده والقبر بيته والثرى مسكنه والدود أنيسه وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف تكون حالته ثم يبكي حتى يغشى عليه، فيجب على العاقل أن يحاسب نفسه بنفسه على ما فرط من عمره ويستعد لعاقبة أمره بصالح العمل ولا يغتر بالأمل فالموت ليس له زمن معلوم فليكن المرء على أهبة من ذلك فإن من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا لإتباع أوامره واجتناب نواهيه وأن يجعل الموت خير غائب ننتظره وأن يختم لنا بالخير، وأن يتغمدنا برحمته إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير آمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول بتصرف